مصر ترعب إسرائيل بعد إجهاض مؤامرة "أبو حصيرة"
كتبت- جهان مصطفى: الوفد
رغم أن ثورة 25 يناير بعثت برسائل كثيرة للكيان الصهيوني حول أنها ودعت سياسات الخنوع والتبعية في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك إلى غير رجعة, إلا أن كثيرين وصفوا قرار مصر إلغاء الاحتفال بمولد " أبو حصيرة" المزعوم بأنه أول دليل عملي على تغير العلاقات بين القاهرة وتل أبيب.
ولعل ردود الأفعال الإسرائيلية على القرار ترجح صحة ما سبق, حيث هاجم الحاخام اليهودي يحيئيل أبو حصيرة إعلان القاهرة عدم ملاءمة الاحتفال بالمولد هذا العام، نظرا للظروف التى تمر بها مصر في أعقاب ثورة 25 يناير.
وفيما عرف يحيئيل نفسه بأنه حفيد "أبو حصيرة", الذي يحتفل اليهود بمولده كل عام استطرد قائلا في تصريحات لوسائل الإعلام الإسرائيلية: "أشعر بخوف شديد أن نضطر نهائيا إلى التخلى عن الحج إلى قبر أبو حصيرة وأداء شعائر نكرم فيها موتانا المبجلين، وهذا بسبب الثورة فى مصر".
وفي السياق ذاته, ذكرت صحيفة "معاريف" أنه بعد إلغاء الاحتفال بمولد "أبو حصيرة" في مصر على ضوء التحذيرات الأمنية، قرر آلاف اليهود إقامة احتفالية بديلة في مدينة الرملة داخل إسرائيل.
ونقلت الصحيفة عن حاخام مدينة الرملة قوله: "تم إلغاء السفر إلى مولد أبوحصيرة في مصر، وعوضا عن ذلك, سنقيم احتفالية بديلة في الرملة حيث يتوقع مشاركة الآلاف فيها".
ويبدو أن ما ضاعف قلق إسرائيل تجاه احتمال إلغاء الاحتفال المزعوم بشكل دائم وليس فقط بسبب الأوضاع الأمنية الحالية في مصر أن القاهرة تحدت حملة الابتزاز والضغوط التي مارستها تل أبيب طيلة الأسابيع الماضية لإقامة مولد أبو حصيرة.
وكانت إسرائيل طلبت من منظمة اليونسكو إلزام مصر باحترام الأثر اليهودي رقم 16 في مصر, في إشارة إلى ضريح "يعقوب أبو حصيرة" المدفون في قرية دميتوه بمحافظة البحيرة شمال مصر.
وذكرت صحيفة "روز اليوسف" في 9 يناير أن تل أبيب استندت في طلبها إلى قرار صدر من وزير الثقافة المصري الأسبق فاروق حسني وخطابات تعهد وتوصية صدرت من سوزان ثابت زوجة الرئيس المخلوع حسني مبارك.
بل وزعمت إسرائيل في طلبها أن منع مصر إقامة شعائر الاحتفال الديني اليهودي بمولد الحاخام المغربي المولود في 20 يناير 1805 يعتبر مخالفا لمذكرة تفاهم وقعت في 1979 بين الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحم بيجن تعهد فيها السادات بالسماح لليهود من أصل مغربي وشمال إفريقيا بزيارة ضريح أبو حصيرة سنويا.
ورغم المزاعم السابقة, إلا أن مصر الثورة أصرت على الاستجابة لرغبة الشارع ورفضت إقامة الاحتفال, بل ورفضت أيضا في الأشهر الأخيرة طلبين أحدهما "إسرائيلي" وآخر أمريكي لتفكيك الأثر رقم 16 ونقله على نفقة إسرائيل وتحت إشراف اليونسكو إلى القدس لحل المشكلة بشكل نهائي.
وكان عمرو رشدى، المتحدث باسم وزارة الخارجية المصري أكد أنه تم إلغاء مولد "أبو حصيرة" لأنه يثير ردود أفعال غاضبة لدى السكان بسبب الترتيبات الأمنية المكثفة.
وأضاف رشدى في تصريحات له في 11 يناير"الوضع حالياً غير مناسب لإقامة هذا الاحتفال فى ظل الظروف التى تمر بها مصر، فالانتخابات والشرطة تحاول استعادة السيطرة على الأمور, أعتقد أن إسرائيل تفهم.. لا أحد فى مزاج جيد لإثارة مزيد من المناقشات العامة فى هذا الوقت".
كما نقلت وكالة الأنباء الألمانية عن مصدر دبلوماسي مصري مطلع القول: إن القاهرة أبلغت تل أبيب منذ أكثر من شهرين بعدم ملاءمة الاحتفال بمولد أبو حصيرة نظرًا للظروف التي تمر بها البلاد في أعقاب ثورة 25 يناير.
وأضاف المصدر أن القرار السابق جاء بعد اجتماع موسع شاركت فيه جميع الأجهزة المعنية والمسئولين بمحافظة البحيرة الكائن بها الضريح تم التوصل فيه إلى توصية أكدت استحالة إقامة مولد أبو حصيرة, وسرعان ما وافق المجلس العسكري على تلك التوصية وتم إبلاغها بالطرق الدبلوماسية للجانب الإسرائيلي.
وعلى الفور, علقت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية على إلغاء المولد الذى يحتفل به اليهود كل عام، قائلة:" هذا الأمر يعد أولى دلائل تغير العلاقة بين مصر وإسرائيل بعد الثورة وسط تنامى شعور بالفتور بينها".
وأضافت الصحيفة" الإجراء المصرى يؤكد التغيير الذى طرأ على العلاقات بين القاهرة وتل أبيب ما بعد حسنى مبارك، فالرئيس المصري السابق كان يحافظ على العلاقات مع إسرائيل ولو على حساب الشعب".
بل وهناك من يرى أن حملة "مدونون ضد أبوحصيرة" والتي تضم ممثلين عن القوى السياسية منها أحزاب الغد والناصري والحرية والعدالة والنهضة والإصلاح وحركات 6 إبريل وكفاية وحملتي دعم محمد البرادعي وعبدالمنعم أبوالفتوح والتي هددت بتشكيل دروع بشرية لمنع زيارة أي وفود صهيونية إلى قبر أبوحصيرة نجحت أيضا في إسقاط مؤامرة إسرائيل حول استغلال وجود مزارات تاريخية ودينية مقدسة لليهود في مصر لاختراقها وتهديد أمنها القومي.
قصة أبو حصيرة
ولعل استعراض قصة أبو حصيرة والجدل حولها يرجح أيضا صحة ما سبق ، فمعروف أن آلاف اليهود اعتادوا على القدوم إلى مصر في أواخر ديسمبر/ كانون الأول من كل عام والتوجه إلى قرية دميتوه في مدينة دمنهور في محافظة البحيرة لزيارة ضريح ادعوا أنه لرجل يهودي اشتهر بـ "أبو حصيرة" مات منذ أكثر من مائة عام ودفنه من كانوا معه في تلك المنطقة.
والاحتفال بمولد أبو حصيرة كان منذ يوم 25 ديسمبر/كانون الأول من كل عام ويستمر قرابة 15 يوما , حيث يتجمع اليهود فوق قبر أبو حصيرة ويقام مزاد على مفتاح مقبرته يليه عمليات شرب الخمور أو سكبها فوق المقبرة ولعقها بعد ذلك وذبح خراف أو خنازير وشي اللحوم والرقص على بعض الأنغام اليهودية بشكل هيستيري وهم شبه عرايا بعد أن يشقوا ملابسهم , بالإضافة إلى ذكر بعض الأدعية أمام القبر، لاعتقادهم أن أبو حصيرة صاحب كرامات ويحقق أمنياتهم ولذا يكتبون أوراقا على قصاصات من الورق ويتركونها فوق قبره .
ورغم أن أهالي قرية دميتوه كانوا يعيشون مدة المولد في حالة أشبه بحالات حظر التجوال ، إلا أن ما ضاعف غضبهم هو مراسم الاحتفال التي تشهد شرب الخمر ورقصات ماجنة بأجساد عارية أو شبة عارية وقبلات متبادلة بين المشاركين فيه, وهو ما يتعارض تماما مع أخلاق ومعتقدات المسلمين ومع مأساة الفلسطينيين جراء جرائم الاحتلال الإسرائيلي المتواصلة .
ويبدو أن الروايات المتضاربة حول حقيقة أبو حصيرة ضاعفت أيضا حدة الغضب الشعبي في هذا الصدد ، ففي رواياتهم المزعومة يقول اليهود: إن يعقوب أبو حصيرة كان يعيش منذ أكثر من مائة عام في المغرب وأراد الحج إلي القدس فركب سفينة, إلا أنها غرقت بمن فيها من بحارة وركاب ولكن الله نجاه وظهرت كرامته بان وضع حصيرته التي كان ينام عليها وفردها على سطح البحر وجلس فوقها وظل مبحراً بحصيرته على الماء حتى وصل إلي السواحل السورية ومنها إلي القدس.
وتزعم الروايات السابقة أيضا أنه بعد أن أدى شعائر حجه توجه لحائط المبكى " البراق" وأراد أن يعود مرة أخرى إلي مدينته مراكش بالمغرب سيراً على الأقدام فحمل حصيرته على كتفه وتوقف بمصر وكان ذلك في عهد الخديوي توفيق واخترق الدلتا حتى وصل إلي قرية " دمتيوه" وأعجبه الحال في مصر فاستقر بها وعمل إسكافياً "عامل أحذية" وذلك لعدم معرفة المصريين بالنعال الحديثة في ذلك الوقت وظل يصلح أحذية المصريين حتى مات في عهد الخديوي توفيق ودفن بمقابر اليهود بالقرية.
واللافت للانتباه أن اليهود أخذوا بعد ذلك في اختراع الكرامات والمعجزات والقصص حول أبو حصيرة بحجة أنه استطاع السفر في البحر المتوسط من مراكش إلي سوريا على حصيرة.
ولم يقف الأمر عند ما سبق ، بل إن اليهود بدأوا بالتوافد على قبر أبو حصيرة المزعوم للبكاء وذبح الخراف والخنازير وشيئاً فشيئاً بدأ الاحتفال بطريقة شبه طقوسية وأخذ أشكالاً شاذة من شرب الخمر وسكبه فوق القبر ثم لعقه بألسنتهم والرقص على أنغام يهودية بشكل هيستيري وسط تراتيل يهودية وغيرها من الأمور العجيبة وشهدت المقبرة بعد ذلك بعض التوسع مع زيادة عدد القادمين وتم كسوة القبر بالرخام والرسوم اليهودية خاصة داخل القبر ثم بدأوا بضم بعض الأراضي حوله وبناء سور ثم إقامة منشآت أشبه بالاستراحات واتسعت المقبرة من مساحة 350 متراً حتي وصلت إلي أكثر منر 840 متراً مربعاً بعد أن انهالت التبرعات اليهودية لتوسعتها.
بل وأراد اليهود بعد ذلك شراء خمسة أفدنة مجاورة للمقبرة بهدف إقامة فندق عليها لينام فيه اليهود خلال فترة المولد إلا أن طلبهم قوبل برفض شديد حيث رفض أهالي القرية التعامل مع اليهود أو بيع مزيد من الأراضي لهم بعد أن انتبهوا لأطماعهم وذلك على الرغم من الأثمان المرتفعة من الجانب اليهودي لمتر الأرض هناك .
مفاجأة رسلان
ولعل ما أثار انتباه أهالي القرية تجاه أطماع اليهود في أراضيهم أيضا مفاجأة مصطفى رسلان وهو محامي من "دمتيوه" كان قدم دعوى قضائية ليطالب بوقف تلك الاحتفالات اليهودية باعتبار أن "أبو حصيرة" هو مسلم مغربي عاش في مراكش باسم محمد بن يوسف بن يعقوب الصاني وكان يعمل في إصلاح النعال وكان ناسكاً زاهداً أتم سبع حجات إلي الكعبة وكان ينوي الذهاب إلي بيت المقدس ليصلي هناك لولا أن وافته المنية.
ووفقا للمحامي المصري, فإن كنية أبو حصيرة سببها أنه لم يكن يملك من حطام الدنيا إلا حصيرة ينام عليها وكان الناس يعتقدون صلاحه ولما مات استغل أحد تجار القطن اليهود موته ودفنه في مقابر اليهود وساعده على ذلك أن جنسية الرجل كانت غامضة ، مشيرا إلى أن هناك بعض المغاربة يؤكدون بالوثائق الثابتة أن محمد بن يعقوب الشهير بأبو حصيرة يمتد نسبه إلي طارق بن زياد فاتح الأندلس ، هذا بالإضافة إلي أن الخريطة المساحية لمدينة دمنهور عام 1910 والتي ظهر عليها قبر أبو حصير للمرة الأولي ، قائلا :" قبل ذلك لم يكن له وجود في الخرائط المساحية السابقة ، فكيف عاش صالحهم المزعوم ودفن بها منذ حوالي 120 عاما ".
وبجانب المفاجأة السابقة ، فإن هناك أمرا آخر رجح أن إسرائيل تتخذ من مزاعم وجود مزارات تاريخية ودينية مقدسة لليهود في مصر ذريعة لاختراقها وتهديد أمنها القومي ألا وهو اختراع مولد آخر لكن هذه المرة في محافظة الشرقية حيث تقدم أهالي قرية "قنتير" بمركز فاقوس بمحافظة الشرقية بشكوى من زيارات اليهود المتكررة للقرية لمشاهدة آثار رمسيس الثاني وبحر فرعون الذي يعتقد أن سيدنا موسى قد ألقي فيه.
وكشفت تقارير صحفية أن بعض الحاخامات اليهود سعوا لإقامة مولد سنوي لسيدنا موسي في القرية على غرار مولد أبو حصيرة وأكد الأهالي هناك أن اليهود يزورون قريتهم عبر سيناء والإسماعيلية ويعودون مرة أخرى ويأخذون معهم قطعا من الحجارة لاعتقادهم بأن سيدنا موسى عليه السلام قد تربي في قصر رمسيس الثاني الموجود بالقرية وألقي في اليم وهو داخل التابوت وهذا اليم هو ما يطلق عليه "بحر فرعون" والذي يستخدمه الأهالي الآن في الصرف الزراعي .
وشدد الأهالي أيضا على أن اليهود حاولوا مراراً إقامة مولد لسيدنا موسي في القرية خاصة وأنهم يتصورون أن سيدنا موسي عليه السلام قد خرج من مصر عبر هذه القرية وما ضاعف من الشكوك في هذا الصدد تردد أنباء حول أن أدجر بوش رئيس بعثة الآثار الألمانية بالقرية اشترى فدانا ملاصقاً لبحر فرعون باسم أحد المواطنين المصريين العاملين معه.
قرار فاروق حسني
وبالنظر إلى أن المزاعم السابقة لن تكون الأخيرة من نوعها فقد قررت لجنة الشئون الدينية في المجلس الشعبي المحلي لمدينة دمنهور في عام 2000 إلغاء الاحتفالات اليهودية لمولد أبو حصيرة ، إلا أن المفاجأة أن وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني أصدر قراراً في عام 2001 يقضي بضم مقبرة أبو حصيرة التي يزورها بعض اليهود إلى هيئة الآثار المصرية, الأمر الذي كان يعني حق يهود العالم في القدوم إليه كل لحظة بدلاً من أسبوع واحد في العام, كما كان يحدث في السنوات الأخيرة.
والأمر العجيب أن الحجة التي استند إليها حسني لإصدار قراره رقم 75 لسنة 2001 كانت بدعوى أنه سيؤدي في النهاية إلى إلغاء الاحتفال بمولد أبو حصيرة للأبد .
وبتاريخ 9/12/ 2001 ، أصدرت محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية دائرة "البحيرة" حكمها بوقف قرار فاروق حسني بضم ضريح أبو حصيرة والمقابر التي حوله بقرية دميتوه إلى هيئة الآثار ووقف الاحتفالية السنوية لمولد أبو حصيرة.
إلا أن وزير الثقافة الأسبق دخل حينها في مواجهة كبيرة مع المثقفين والصحفيين والقضاء بعد تسرب معلومات مؤكدة من مكتبه باستئناف الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بإلغاء قراره الذي يقضي باعتبار ضريح "أبو حصيرة أثرا ضمن الآثار الإسلامية والقبطية واستند الوزير حينها في استئنافه على قانون الآثار رقم 117 الذي يلزم بتسجيل أي مبنى يزيد عمره على 100 عام وأن تسجيل "أبو حصيرة" كأثر يبسط يد الحكومة المصرية على المكان ويمنع بيعه أو شراءه بأي ثمن, إضافة إلى مسئولية قطاع الآثار القبطية والإسلامية عن المكان.
وبعد سنوات من الجدل ، قامت المحكمة الإدارية العليا بحسم هذا الأمر في جلسة 5 يناير 2004 بإلغاء الاحتفال السنوي بالمولد وإلغاء قرار وزير الثقافة باعتباره ضمن الآثار الإسلامية والقبطية.
وعلى الرغم من صدور الحكم القضائي السابق وهو نهائي وغير قابل للاستئناف، فإن نظام مبارك السابق واصل تحدي الجميع وأصر على إقامة مولد أبو حصيرة الذي طالما استغلته إسرائيل لإرسال جواسيس وتهديد الأمن القومي المصري