الأربعاء، 4 يناير 2012

د. عبد الله الأشعل يكتب : المفهوم الصهيوني عند المواطن المصري


د. عبد الله الأشعل يكتب : المفهوم الصهيوني عند المواطن المصري
       


25-1-2011
بقلم: السفير د. عبد الله الأشعل - اخوان اون لاين
نشرت الصحف يوم 1/1/2011م أن المباحث المصرية وجَّهت للمحتجين على إقامة مولد أبو حصيرة في البحيرة تهمة معاداة الصهيونية، ولكن النيابة رفضت قيد التهمة بهذا الوصف على أساس أنه لا يوجد في مصر قانون يُحرِّم معاداة الصهيونية.
لفت نظري الخبر من زاويتين، الأولى الفارق بين فهم الشرطة وفهم النيابة لتهمة معاداة الصهيونية، والزاوية الثانية هي البحث في معنى الصهيونية في مصر، مبدئيًّا يبدو أن الشرطة تخلط بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية، فكلاهما عندهم واحد، وهي جريمة يحاكم المتهم بها، وهو نفس الفهم الذي تروجه "إسرائيل"، وليس هناك فرق بين الصهيونية واليهودية عندها، بل إن المغالاة في الصهيونية تؤدي إلى الإيغال في توظيف اليهودية، وهي المشكلة التي يصر عليها الكيان الصهيوني الآن، وهي الاعتراف العربي به كدولةٍ يهوديةٍ خالصة لليهود دون غيرهم، أي أن البوتقة الصهيونية هي نفسها الإطار اليهودي؛ ولذلك فإن القلة من اليهود الذين يعارضون المشروع الصهيوني لا يُشكَّلون أساسًا لقاعدة التمايز، ولكن الحقيقة هي أن اليهودية دين سماوي لا يجوز المساس به، ويجب مقاومة التستر به لارتكاب جرائم صهيونية.
هذا الفهم القاصر لعلاقة اليهودية بالصهيونية لتبرير الاتهام بمعاداة السامية يتطلب برامج في مقرراتنا التعليمية، خاصةً في كليات الشرطة لفكِّ الاشتباك بين الطابع الإجرامي للمشروع الصهيوني الهادف إلى تدمير مصر والاستيلاء على فلسطين والأقصى، وهو من بقايا المشروع الاستعماري الغربي، وبين التداعيات السياسية والنفسية التي تتسبب فيها ممارسات بعض الحكومات تجاه جرائم الكيان الصهيوني، فيرتكب الكيان كل الجرائم ضد الفلسطينيين وتشردهم من بيوتهم وتهود القدس والضفة وتعلن على الملأ أنها تريد كل فلسطين، وأن السلام مع الكيان الصهيوني يعني الاعتراف العربي بهذه الأساطير، وتحارب المصالح المصرية في صميم بقاء المجتمع المصري من جاسوسية واختراق للأجهزة وتدمير للمجتمع المصري والفتنة بين الأقباط والمسلمين وتفتيت السودان سعيًا إلى تفتيت مصر وحرمان مصر من حقوقها المائية في دول المنابع، ومع ذلك يستقبل زعماء الكيان وأيديهم ملطخة بالدماء، فضلاً عن دماء جنودنا الأسرى والمجاهرة الصهيونية بخططها للإضرار بمصر، فأحدث هذا التناقض فهمًا مرضيًّا عند المصريين وبعض الدوائر منها الشرطة، أن الكيان الصهيوني صديقٌ ما دام رجاله يستقبلون كأصدقاء.
التبس الوضع على الجميع وأنا منهم، إذ كيف يُتاح لليهود أن ينعموا بالاحتفال بمولد أبو حصيرة، وكل المحتفلين من الموساد ورجال الدين الذين يجاهرون بأن التوراة تأمر بقتل العرب، وفتاوى الحاخامات تزكم الأنوف بسلب الحقوق باسم التوراة، بل رأيت أحدهم يجلس رافعًا يده إلى السماء شاكرًا فضل الله الذي مكَّنهم من الشعب الغاشم؛ وذلك خلال قيام الشرطة بإخلاء منازل الفلسطينيين في القدس في حي الشيخ جراح لتسليمها لليهود الذين حولوا حياة الفلسطينيين إلى جحيم.
فهل بمعاهدة السلام نصوص سرية تجيز كل ذلك وتمنع المصريين من مجرد الاحتجاج حتى يرى العالم أننا شعب يحس، وأننا لم نتآمر مع غيرنا لبيع فلسطين لليهود! وما هو الفرق بين الفهم الخاص لهذه القضايا عند الشرطة والنيابة، والتعليمات الرسمية؟!
إن طغيان المشروع الصهيوني واتساع دائرة أذنابه والسكوت الرسمي العربي على جرائم الكيان حتى ضد مصر نفسها يؤذن بأكبر الأخطار، خاصةً بعد تصريحات عاموس يالدين المعادية لمصر والدول العربية التي ذكرها، وكذلك تردد اسم الموساد في جريمة الاعتداء على كنيسة الإسكندرية.
الطريف أن القانون الأمريكي الذي يعاقب على تهمة معاداة الصهيونية قد استند في مقدمته إلى عددٍ من الأحداث التي جرت في مصر، والتي اعتبرها من الأسباب المباشرة لصدوره لوقف العداء الصهيوني.. فكيف يوفق المواطن العربي بين استهداف الكيان الصهيوني لجميع المصالح العربية والجسد الفلسطيني وفتاوى الحاخامات بشرعية إبادة الفلسطينيين وبين تراخي الحكومات العربية وعجزها عن التحرك لحماية الجسد العربي، خصوصًا أن هذا الموقف شجَّع المشروع الصهيوني على السعي إلى تفتيت العالم العربي.
وإذا كانت منظمة الأونروا تصرُّ على تدريس محرقة اليهود في مدارسها فلماذا لا نقوم بتدريس محرقة الفلسطينيين في مدارسنا حتى يكبر أبناؤنا على الحقيقة حتى لا تصل إليهم رسالة خاطئة بسبب هذا العجز العربي؟!
وهذا هو دور الإعلام ومناهج التعليم ما دام الصراع ممتدًا، والطريف أيضًا أن الجالية اليهودية في بريطانيا وكذلك الأوساط اليهودية في الغرب لا تريد أن يطلق اسم "الهولوكوست" على أحد غير اليهود، ولكني أظن أنه إذا كان هذا الحادث بالبشاعة التي قدمها اليهود لنا فإن محرقة غزة هي الأكثر بشاعةً، وهي الأحق بأن يطلق عليها وصف الهولوكوست، وتعني الإبادة بسبب الدين في حالة اليهود، والإبادة بسبب العرق والدين معًا في حالة الفلسطينيين.
لم يحدث للألمان من غير اليهود أن صرَّحوا بأن اليهود الألمان يستحقون الإبادة، ولكن يهود تل أبيب من رجال الدين قد باركوا إبادة الشعب الفلسطيني.. وأخيرًا، إذا كان العالم قد أدان إبادة اليهود دون أن يعرف الحقيقة وأبعادها فلماذا لا يدين الإبادة المستمرة للشعب الفلسطيني ضمن برنامج لاقتلاعهم من أراضيهم.
كانت محرقة اليهود حادثة أسف لها الجميع، أما محرقة الفلسطينيين فإنها عملية مستمرة منذ عام 1948 ولا يتحرك لوقفها أحد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق